دكريات رجل تعليم
اعداد :بازغ لحسن
اليومية الاولى “1”
تعييني الأول
اذكر أنني اخترت مهنة التعليم في مرحلة كان للمهنة وقارها ،كان طموحي وهدفي أن أصير أستاذا مثل أبي رحمه الله نتيجة لتلك الصورة اللامعة التي لازالت ذاكرتي تختزلها عنه ،من احترام وتقدير من كافة معارفه وأصدقائه ولما يكنون له من محبة وتبجيل إزاء عمله الدؤوب ولمواطنته الدائمة وإخلاصه وسلطته الرمزية .لكن خاب أملي عندما صدمت بتعييني في قرية نائية ببلادنا الحبيب لم انتقل منها إلا بعد أن أفنيت فيها 12 سنة من عمري ،عزلت فيها عن المجتمع المدني المتحضر وتجمدت فكريا وثقافيا وسياسيا حيث لامطالعة ولااخبار ولاجرائد .
ولشرح مراحل المعاناة حيث لازالت سحنات وجهي تحتفظ بتجاعيد تلك المرحلة المؤلمة ،لابد أن أعود بالذاكرة إلى بداية الثمانينات،عندما التحقت مباشرة بمركز التكوين بعين الشق ،قضيت سنة من التكوين والتدريب لاجد نفسي معينا بإحدى القرى البعيدة بإقليم س/ت”م/م او م”،ابتذات المشاكل والمتاعب من يوم توقيع محضر الدخول بالمدرسة المركزية وتم إلحاقي بفرعية “او/ز”البعيدة عن الطريق المعبدة مما اضطرني إلى قطع 12كلم على رجلي ،نظرا لانعدام المواصلات حتى وصولي إلى الفرعية التي توجد بمنطقة منعزلة بشكل تام عن كل المرافق الحيوية .أقمت في مكان بجانب المسلك المؤدي إلى دواوير بلدة أخرى سكانها يشكون عزلة قاتلة من بعد المصالح الإدارية والاجتماعية ولاتتوفر الجماعة إلا على مستوصف وحيد به ممرض يفتقر إلى التجهيزات الطبية الضرورية .بهذه المدرسة التي عينت بها أعيد فتحها من جديد بعد إغلاق دام خمس سنوات تعرضت كلها للتخريب من طرف الرعاة والمارة وأضحت في ظل تخادل المسؤولين هناك فضاء للمنحرفين الذين كانوا يتسللون بسهولة إلى داخلها نظرا لعدم تحويطها وتسييجها ،حيث كانوا يتخذونها وكرا لتعاطي المخدرات ومعاقرة الخمور ،حتى تعرضت تجهيزاتها للإتلاف والسرقة ،فلا خرائط ولامكتبة ولاوجود لأية أداة تعليمية لازمة في كل عمل تربوي وتعليمي ناجح .
وكان نصيبي في تلك السنة الدراسية تدريس المستوى الأول في حجرة بنيت في عهد الحماية ،سقفها عبارة عن مجاري مائية في فصل الصيف ،فلا مرحاض ولاقاعة للأساتذة ولاسكن .اما التلاميذ فياتون من إحدى عشر دوارا منهم من يقطع سبع كيلومترات يوميا واغلبهم لايتمكن من العودة إلى منازلهم بين حصتي الصباح وبعد الزوال ،جلهم ينتمون الى وضع جد متدهور حيث يتفشى الفقر .الشىءالذي يجعلهم يمكثون طيلة اليوم بالمدرسة التي لاتوفر لهم الحد الأدنى من الوقاية من قساوة البرد في فصل الشتاء او الحرارة في فصل الصيف .يتناولون اكلهم بجانب القسم معرضين للأتربة والأوساخ ،ومع غياب السكن فقد اضطررت إلى اتخاذ حجرة الدرس سكنا أنام وادرس واطبخ طعامي فيها ،احضر دروسي ليلا بالقسم تحث ضوء شمعة حيث لاانارة ولاماء مما يحثم جلب الماء من بئر بعيد من المدرسة .ومما زاد الطين بلة أن المنطقة كانت تعج بالحشرات السامة ،فالليل كله أظل ا مصغيا إلى الحركات “الخرششة “ضانا أنها صادرة عن عقرب او أفعى فأتحسس كل ساعة مصباحي اليدوي .أما إذا أردت حضور لقاء تربوي او غرض بالنيابة التعليمية “س/ت “فعلي قطع 75كلم .كما لازلت استحضر في دهني يوم استدعاني السيد المفتش للقاء التربوي بمدينة ابن احمد ،يتتبع الأساتذة الحاضرون العرض والمناقشة فأتذكر أنا 12كلم الغير المعبدة التي تنتظرني في الرجوع حيث كنت اقطعها راجلا تارة “انهج “وأخرى “ازفر “واشهق واصل وأنا مبلل بالعرق حيث ما أن أصل إلى المدرسة حتى ينال مني العياء والتعب مناه ،اذ علي أن أستريح لاسترجع الأنفاس التي ضاعت في المشي ،لهيب الشمش أيام الحر أو في جو العواصف والأمطار أيام البرد والقر.رغم كل هذه الصعاب كنت انذاك اعمل في وسط غير مشجع أغلبية سكانه أميون ،فحتى رؤساء الجماعات القروية الذين تعاقبوا على تسيير المنطقة “أحسنوا “استغلال عوامل الجهل والأمية وسلطة المال لإبقاء الأوضاع كما هي ،جلهم يجهل نظام التعليم الحالي كل ما يعرفونه هو ان الأستاذ يجب أن يعمل كل يوم الا يوم الأحد مما أتعرض معهم إلى عدة الى عدة مشاكل .أما علاقتي بالسلطة فعلاقة نشاز ،شيخ المنطقة والمقدم ينظران الي نظرة العدو الذي يجب محاصرته حتى لايكون روابط متينة بأهل الدوار وتوعيتهم…………
وأخيرا فهذه نبذة وجيزة عن المشاكل المستعصية التي يتخبط فيها رجل التعليم بالقرى والبوادي ،فلا يسعني إلا أن أحيى الأستاذ تحية إكبار وإجلال ولكل رجال ونساء التعليم لنكرانهم لذاتهم ولتضحيتهم الغالية في سبيل المهنة المقدسة التي اختاروها عن طواعية .
لحسن بازغ